الدفاع المشروع بين المفهوم والتطبيق

تتفق كل القوانين الوضعية منذ قديم الزمن وحتى يومنا هذا بأن للإنسان الحق في الدفاع عن نفسه وأهله وماله وأرضه وعرضه مهما كان السبب، لكنها وفي الوقت عينه تختلف فيما بين المجتمعات والأمم من حيث الآلية والتطبيق والقوانين التي تفرضها كل دولة على رعاياها وعلى منظومتها القانونية، لذلك فحقيقة هذا المفهوم لم يعد مقتصرا على آلية التطبيق بل على المسببات والنتائج وحتى على الواقع الاجتماعي المعاش والذي يتغير بتغيّر الأحداث، ومن هنا نجد أن الواقع السوري في ظل هذه الأزمة الممتدة على مدى أحد عشر عاما ويزيد، قد فرض واقعا جديدا على الشعب السوري عامة وعلى شعوب منطقة شمال وشرق سوريا بشكل خاص، حقيقتها أن من واجب المجتمع الدفاع عن ذاته وعن كينونته الفسيفسائية والتي اشتهرت بها منطقة روج آفا كردستان سوريا (شمال وشرق سوريا)، لذلك فحتمية هذا الواقع أجبر المجتمع على إعادة النظر في مفهوم قوات الدفاع المشروع, وكونه وسيلة لحماية القيم الاجتماعية والإنسانية الكامنة في فلسفة السلام والعيش المشترك, في إطار المبادئ والمعايير المحفوظة في هالة الأخلاق والثقافة المجتمعية وضد الجيوش النظامية والتي تفردت ضمن مفردات الترهيب والتخويف ضمن أطر الاستغلال والاحتلال والإبادة, وتقييمهما بشكل جذري كحالة اضطرارية في ظل فوضى الأنظمة الحاكمة.

يعد الدفاع المشروع حقاً طبيعياً, وأحد ركائز الديمقراطية المعاصرة للمجتمعات المتطورة, ففي حال تعرض المجتمع لأي اعتداء سواء أكان خارجيا أو داخليا, يأتي الدفاع المشروع كوسيلة شرعية؛ لحماية قيمها وكينونتها المجتمعية. ويمكن اعتبار المقاومة المسلحة جزءا لا يتجزأ من حقوق الدفاع المشروع, شرط ألّا تتناقض مع مبادئ وحقوق الدفاع والحماية. وهذا ما نصت عليه المعاهدات والمواثيق التي أبرمت بغاية حماية حقوق الإنسان, والتي تقتضي شرعنة الدفاع المشروع في حال تعرض حقوق الشعوب للانتهاكات من قبل الأنظمة الهادفة لترسيخ السلطة والاحتكار, فمعاهدة لاهاي في عام 1907, واتفاقيات جنيف في عام 1949, والبيان الصادر من المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي انعقد في طهران عام 1968, والذي نص على (عدم وجود أية امكانية لتجزئة حقوق الإنسان والحريات الأساسية), كل هذه الاتفاقيات مع التي سبقت، كانت داعمة لمشروعية الدفاع المشروع, لدى انغلاق كافة سبل المفاوضات في منع الاعتداءات والانتهاكات التي تهدد كيان المجتمعات ووجودها, كما نوه القائد الكردي عبدالله اوجلان في مرافعته ” الدفاع عن شعب” بأنه في مجتمع ما، إذا كان الشعب يتعرّض للهجمات الخارجية الهادفة للاحتلال والتسلط عليها، والإدارة الحاكمة في تلك البلاد بقيت صامتة مقابل كافة متطلبات الشعب الديمقراطي وانتفاضاتهم، وأكثر من ذلك إذا كانت تحاول قمع هذه المظاهرات بهجمات حادة، فإن الدفاع المُسلح يكون موضوع النقاش في مثل هذه الحالات، هذه الحرب واجب إجباري وأخلاقي، فبإمكان المجتمع إظهار قوته المسلحة المشروعة حينها، لأنها على حق من أجل حياة حرة بعيدة عن الظلم والقمع والعنف والإنكار. أما المجتمعات التي لم تتجرأ على حماية نفسها ضد مثل هذا النوع من الهجمات والمخاطر، تكون مجتمعات ضعيفة وغارقة في العبودية، وهذا هو الضياع الطبيعي في جوهره”.
ومن المواضيع الاستراتيجية والأساسية التي تمثلت في النهج السليم للدفاع والحماية, هي التأكيد على أنه من غير الممكن غض الطرف عن مشكلة الشعوب في الدفاع الذاتي في الظروف الاعتيادية، لذلك يغدو الدفاع عن الذات ضرورة لا مهرب منها ويتطلب بالتأكيد على تشكيل قوات الدفاع الذاتي كحق تقره كافة القوانين والتشريعات والأعراف الدولية والإنسانية, لدى تعرض الوطن, الشعب والمرأة لأية هجمات عدائية تستهدف وجوده، حيث يتم تشريع قانون للالتزام بالمبدأ المتمثل بالدفاع الإيجابي وذلك عبر استنفار كل الطاقات, عندما تدعو الحاجة إلى حماية قيم المجتمع الكونية إذا ما تعرضت للهجوم. عبر التأكيد على أنّ هذه القوات ستكون الضامنة لتلبية الحاجات الأمنية الأولية, وتكرس مساعيها في صون حقوق الجميع بما فيهم المرأة ضمن دستور ديمقراطي, عوضاً عن النظر إلى قوات الدفاع المشروع كقوة مناهضة للدولة أو بديلة لها, أو جيشاً أنصارياً كلاسيكياً, فوظيفة هذه القوات الأساسية هي العمل على حماية الحقوق القانونية والدستورية لقيم المجتمع المحلي بما فيها وجود الكيان الثقافي والبيئي والقومي. في حال تعرض المجتمع المحلي للانتهاك، أو عندما لا يقوم القضاء بوظائفه ومهامه الوطنية.
وقد جاء تبنّي المرأة الكردية في روج آفا مفهوم الدفاع المشروع الذي يعد الركيزة التي اعتمدتها المنظومة الدفاعية الكليّة في روج آفا القائمة على مبادئ الأمة الديمقراطية ويعتبر هذا التبني أنموذج للدفاع المشروع عن المجتمع النسوي, حيث لم يكن تجييشا بمعناه المتداول والفظ, إنما زاد على المجتمع النسوي مفاهيم جديدة لكيفية حماية النفس, وبمفاهيم غيرت نظرة المجتمعات للمرأة في مجال الحماية والدفاع باعتمادها على قوتها الذاتية.
لذا يتحتم علينا تقييم هذه الظاهرة بشكل موضوعي, كنظرية صحيحة وأساساً لإرساء مشروع تنظيمي، يفتح المجال لتحقيق حرية المرأة والمجتمع الكونية وحمايتها، وتخطي الصعوبات والتحديات في ترسيخ أسس الحياة الحرة التشاركية, وإنهاء مفاهيم الانكار والتبعية والأحكام السائدة للسلطة الذكورية، وقد تحولت وحدات حماية المرأة إلى نموذج مثالي لتجاوز هيكلية ومفهوم الجيوش التقليدية حيث تميزت بـ:
القوة الحامية والضامنة للحقوق الطبيعية للمرأة.
حماية القيم الوطنية.
إبراز القوة الذاتية للمرأة، ودورها الريادي في المجتمع بتحويل طاقاتها الكامنة وتفعيلها عملياً، بحيث تكون الحامل للثقافة المجتمعية والسلام.
إزالة آثار الطابع الذكوري في المجتمع على كافة مجالات، والخروج من الأطر النمطية التي تم تأطيرها بها.
التكامل في الأبعاد المجتمعية أخلاقيا وثقافيا, وتحقيق علاقة متوازنة فيما بين الفرد والمجتمع بشكل عملياتي.
ضمانة للمشاركة الفعلية للنساء على كافة الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية.
تخطي كافة المفاهيم القوموية, الدينوية, العلموية, المذهبية والطائفية والجنسوية.

إن ازالة تبعات الحدود السياسية والجغرافية التي تجزء الخارطة النسوية وتشتت طاقاتها وإمكانياتها, عبر بلوغ آفق أممية بمنظور جديد وشامل للمجتمع النسوي، فالغاية من تشكيل المنظومة الدفاعية للمرأة، ليست مقتصرة على تأهيلها لاكتساب الخبرة والمهارة العسكرية كجندية أو مقاتلة, إنما هي تهيئة لاسترداد الكينونة المجتمعية المتكاملة.

شاهد أيضاً

الحرية ومفهومها العملياتي

هذا المصطلح الذي يعد مطلباً وحقاً كونياً –غريزياً, اذ يولد الإنسان حرا لينضج في مجتمعات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *