الحرية ومفهومها العملياتي

هذا المصطلح الذي يعد مطلباً وحقاً كونياً –غريزياً, اذ يولد الإنسان حرا لينضج في مجتمعات مثقلة بقوانين تجعله يتحول الى عبد في عملية تحولية وكسلوك مكتسب, وبقدر انغماسه في مفهوم التحضر بقدر ما يصبح اسير العبودية ففي ظل الحداثة الرأسمالية اصبح ينكر ذاته ويعيش في حالة نكران بائسة بقدر ابتعاده عن طبيعته البشرية و ذاته الحرة وكلما اقترب من الحرية الفكرية كلما حقق الحرية الفعلية في كافة ميادين الحياة الإنسانية فهي مقياس لتطور المجتمعات الإنسانية بشكل عام ,إذ لا نقصد بالحرية بمفهومها الضيق الملتصق والملازم للفرد انما الحرية الكونية والتي تنعكس على حرية البشرية وتخلصها من الاستعباد و الانحلال.

قبل الغوص في تعريف مفهوم الحرية ينبغي التمعن فيها بكل أبعادها وما تكتنف بين جوانبها من حقائق تبت بأن الحريةَ هدفُ الكون والكونُ يسعى نحو الحرية وتُشِيدُ هذه الحقائق بأنّ الحريةَ نزعةٌ وبحثٌ عميقٌ خاصٌّ فقط بالمجتمعِ البشريِّ تلك مقولةً ناقصة, اذ يوجد جانبٍ فيها معنيٍّ بالكونِ بكلِّ تأكيد وإذا ما أمعنَّا في قرينةِ الجُسَيم – الطاقة، التي تُشَكِّل اللَّبَنَة الأساسيةَ للكون, ومثلما اشاد بها الشخصية الكردية البارزة عبد الله اوج آلان : (أنّ الطاقةَ ليست سوى الحرية نفسها. لذا, من المهمِّ عدمَ ربط سلوكِ الأنانيةِ في موضوعِ الحرية، وعدمَ السقوطِ في اختزالها إلى الإنسانِ فقط 0 هل يمكن إنكارَ كلِّ مساعي الحرية الكبرى للحيوانِ المحبوسِ في قفص؟ وبينما يُضارع تغريدُ البلبلِ أرقى السيمفونيات ويُخَلِّفُها وراءه، فَبِأيِّ مصطلحٍ عدا الحرية يمكننا إيضاح هذا الواقع؟ وإذا ما تَقَدَّمْنا أكثر؛ ألا تُذَكِّرنا كافةُ أصواتِ وألوانِ الكونِ بالحرية), وكذلك المرأة باعتبارها أولَ وآخرَ عبيدِ المجتمعِ البشري بأعمقِ الدرجات، بأيِّ مصطلحٍ عدا البحث عن الحرية يمكن إيضاح كلِّ مساعيها وتَخَبُّطاتها؟)

ينبغي علينا التركيز على الحريةِ الاجتماعية وكيفية تغذيتها بالمعرفة وعتقها من المعتقدات المزيفة وهذا لعدم تحويلِها إلى إشكالية  بحساسيةٌ مُرَكَّزةُ إزاءَ حرية المرأة والرجل ولصون التوازن الطبيعي بينهما, إيماناً وإدراكاً منا بأنه وبقدرِ ما ترَكِّزُ المرأة من قدراتها في الذكاءِ والثقافةِ والعقل الكوني، تكُون مَيَّالةً إلى الحريةِ بنفس القدر, كما أنها وبقدرِ ما تفتَقِرُ لِقِيَمِها تلك في الذكاءِ والعقلِ والثقافةِ أو تحرَمُ منها، تكُون غارقةً في العبوديةِ بالمِثل ويتجلى هذا بكل ثقله بخلق علاقة مشحونٌة بعبوديةٍ متضاعفةٍ تدريجياً بين الجنسين, لذا تم نستنبط بأنّ المعرفة هي الحرية ولا يمكن شجب الرؤية عن هذا التوازن.

 تُفرَضُ العبوديةُ بكلِّ قوةٍ ضمن أبعادٍ ثلاثة, العبوديةُ الأيديولوجيةُ بميثولوجياتها, المعتقدات الدينية وطرقها الملتوية و رزالة الحداثة الرأسمالية التي أقحمت المرأة في المتاهات والدهاليز المضللة, وما زال إنشاءُ الآلهةِ المُخيفةِ والمتحكمةِ أمرٌ مستوعَبٌ ويَلفتُ الأنظارَ بِحِدَّة في المجتمع النسوي في يومنا الراهن, وما زالت المرأة في طابقَ العاملين المنهمكين والمنهكين في شتى أنواعِ الإنتاج ، وبَلَغَت مرتبةً قصوى من الانتثار روحياً ونفسياً,

عند الإستطراق إلى الجدالِ الدائرِ حولَ العلاقةِ بين مصطلحَي الحريةِ الفرديةِ والحريةِ الجماعية. حيث أنّ إيضاحَ العلاقةِ بين هذَين التصنيفَين مهم للغاية والمُرادُ من تعريفُهما إيضاح الفروقات بين الحريةِ السلبيةِ والحريةِ الإيجابية وربطهما بالأخلاق المجتمعية وهذا بقبول التنوعِ والتباينِ بدون تمييز وتفرقة  وفق الهويات المصطنعة والمكتسبة وانتهالإ من قوانين الكون التي تحمل بين طياتها أخلاقاً اجتماعيةً وربط حرية المرأة بمبدأ صياغة تعريف الحريةِ بأنها قوةِ الإنشاءِ الاجتماعي والسلوكِ الأخلاقيّ وتجنب أمراض العصر التي تشرعن وتروج للحرية السلبية, لذا يجب التأكيد على دور المرأة في تعزيز بنيان الحرية المجتمعية بمفهومها الصحيح على أساس الحياة الندية بين الرجل والمرأة و إزالة التمييز الجنسوي في عملية التغيير والتحول الذهني وتحليل ظاهرة السلطة في تأبيد الحرية السلبية التي مجدتها المنطق البطرياركي بتفعيل دور الفردانية في تدمير المجتمع  ومحاولة نسف الأخلاقِ والعدالة الاجتماعية من جذورها وجعلها ذراتٍ متناثرةً بغية عدم إبقاء أية طاقةُ للمقاومةِ لأجل أي هدف وهذه حقيقة تلامس واقعنا الراهن بتَسَرطُنِ المعضلةِ الإجتماعية  تحت اسم الحرية الجماعية, ولقد اتضحَ للعيان من خلالِ تجاربِ القرن العشرين، أنه ثمة شبهٌ وطيدٌ بين الحرية التي أثارتها الليبراليةُ بمعنى الفردانية، وبين الحرية التي أثارتها الاشتراكية المشيدةُ باسم الجماعية؛ مهما تَمَّ تعريفهما بأنهما قطبان متضادان. فكِلتاهما مِن خياراتِ الليبرالية. وسيتم استيعاب الأمورِ المرادُ قَولُها بمجردِ إمعاننا في كيفيةِ تطبيقِ ألاعيبِ الدولتيةِ والخصخصةِ من قِبَل اليدِ نفسها, هذه الأزمات تهيىء الأرضيةَ لانطلاقةٍ قَيِّمة أيضاً بعدم رضوخ المجتمع وبالأخص النساء لما يفرض عليها, فليس بمقدورنا الحديث عن نظامِ مجتمعٍ حرٍّ متوازنٍ وناجح والتحرر الجنسوي إلا عند تحقيقِ التواؤمِ بين الحرياتِ الفردية والجماعية ولكن تحتاج إلى طليعة فاعلة وطاقة مكثفة ومسؤولية عميقة.

تبنت ypj  مفهوم الحرية ارتكازا على مبدأ اساسي وهو:”الحرية الفكرية والروحية بمفهوم الحرية الكلية وعدم تجزئتها ولا تفرق بين الأخلاق ومفاهيم الحرية التي تهدف لبناء مجتمع حر ؛ لأن المجتمع لا يمثل فردا فحسب بل يمثل الجميع وبألوانهم المختلفة, والحرية لا تتحقق إذا كانت المرأة حرة والرجل عبداً أو العكس, فالحرية كلية ومجتمعية, لذا تمثلت الخاصية الأساسية في كينونة المرأة الروح الجماعية في تأدية العمل بشكل منظم ودقيق, والإستخدام الأمثل لهذه الطاقة لضمانة تأمين الإمكانيات الأفضل لتحقيق النصر بعيداً عن العشوائية والمزاجية, والتحرك بشكل هادف ومنظم بأعلى المستويات ضمن مفهوم اخلاقي رصين, والذي هو مجموعة من القواعد والأسس التي تقوم بتوجيه الإنسان نحو الأهداف المرسومة مع احترام القيم الأساسية للحياة، وتشكل ضبطاَ ذاتياً للالتزام بأسس العمل النضالي وتقدير العمل والكدح الفردي والجماعي كمقياس واضح للضوابط والقوانين العسكرية والمجتمعية وحماية قيمه المادية والمعنوية, فكل ما انتجته الثورة مادياً ومعنوياً هي قيم الثورة ولا يمكن الفصل بينها, بل تشكل وحدة متكاملة تحمل بين جوانحها نبلاً اخلاقياً يتمثل في احترام الجهود والأعمال التي بذلت من اجلها بما فيها الشهادة بوصفها اغلى القيم ومن المعايير الأخلاقية يجب إنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء من ساحات القتال, وأي تهاون أو تقصير في ذلك بقدر ما يعتبر انتهاكاً للأخلاق فهو يعرض مرتكبه للمسائلة, وأيضاً وجوب التعامل مع الأسرى وفق القوانين والعهود والمواثيق الدولية, كما يجب احترام عمل المؤسسات المدنية التي تقوم بالتوازي مع قيام الوحدات العسكرية بواجبها على الجبهات, وتقديم كل التسهيلات للقيام بعملها, والتقيد حسب الثوابت (المبادئ) التي تأسست عليها هذه القوات بوصفها القوة الحامية والضامنة للعيش المشترك بين جميع المكونات, لذا فأنّ المفاهيم العنصرية وغيرها مما يفتت المجتمع ويهدد وحدته مرفوضة, وسيعرض مرتكبيها ومروجيها والمتساهلين معها للعقوبات الشديدة, وأي تجاوز لهذه القيم والمبادئ يشكل خيانة للمجتمع الحر بل ينبغي الالتزام بالمصلحة الوطنية وحماية المرأة والنسيج الاجتماعي بعيداً عن التحيز للمفهوم القوموي, الجنسوي, الدينوي والمذهبي.

المصدر:مجلة YPJ star

شاهد أيضاً

اسمى قيم الفدائية…الخلود

تمهيد الخلود كلمة متفرعة بقدر قدسيتها فلكل الشعوب هدف تخليد تاريخها, معالمها, لغتها وثقافتها, لذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *