من نفو طباشة إلى حنجرة الثورة الشهيدة شيلان كوباني

ديباجة

تشكل الثورات خياراً واقعيا تلجأ إليه المجتمعات في وجه الأنظمة الماصّة لحقوقها الطبيعية والمشروعة, لذا يجب النظر بمنظور متعدد الأوجه لهذه الظاهرة الحية والتي لا تزال الشعوب تتخذها للتعبير عن سخطها من وبالات الأنظمة الدولتية. للثورات الشعبية بشكل عام وجهين, وجه يشكل الواجهة والتي قد تتحول لجيش شعبي والوجه الآخر يشكل الجبهة الخلفية أو ما يعتبر حجر الأساس للثورة وهذه الجبهة تتكون من المواطنين المحرومين من أبسط الحقوق وعلى رأسهم النساء, تلك الفئة التي ظلمها كلٌ من العلم والدين والفلسفة والشرائع وغاب نضالها عن صفحات التاريخ وكانت دائما تعتبر الفئة الأخيرة والمستضعفة, حتى في الحالات التي شاركت فيها بكافة الصعد المجتمعية وثارت وانتفضت تم وللأسف انكار وتهميش لدورها وتم تخصيص ادوارها في الثورات بالعناية والرعاية الصحية والمداواة وغيرها…

   اذا تطرقنا لنبذة تمهيدية لتاريخ المرأة السورية نجدها قد تبوأت الصدارة على كافة جبهات الثورة, و في هذا المقال سنحاول إعطاء القارىء إلماعة عن دور المرأة الكردية في سوريا على مرّ تاريخها النضالي الذي اتسم بالشجاعة و البسالة في كسر الصور النمطية و إرادتها القوية في وجه الطغيان والظلم واستمرارها في الكفاح من اجل سوريا حرة ديمقراطية تعددية وآليات انضمامها للثورات الشعبية.

نماذج تاريخية (من تطويق نسوي كردي لمبنى البرلمان السوري الى ريادة الانتفاضات الشعبية)

طوقت النساء الكرديات مبنى البرلمان السوري لمدة 24 ساعة من الحصار المطبق وذلك في عام 1936، حيث قدمت النساء السوريات و جميعهن من الكرد مذكرة تعبر عن احتجاجهن على المعاهدة السورية الفرنسية إلى البرلمان السوري، ونجحت في مطالبها باستقالة اعضاء الحكومة, وتتالت المظاهرات التي شاركت فيها النساء السوريات من كافة أحياء المدينة آنذاك, وفي مقدمتهن الأم الكردية السورية نفو طباشة المعروفة بحسها الثوري الوطني والتي كانت قدوة للنساء السوريات لدرجة تم حملها على أكتاف طالبات في ساحات الانتفاض, وقد ضمت هذه المظاهرات الشعبية مختلف مكونات وشرائح المجتمع السوري التي تجمهرت حول مبنى البرلمان, وكانت الهتافات واللافتات تطالب بالعيش المحترم وحفظ الحقوق، المرأة الكردية الثائرة نفو طباشة أضحت رمزا وحافزا للنساء للمطالبة بحقوقهن في التعبير عن الرأي النسوي في سير العمل السياسي والاقتصادي, نفو طباشة التي هتفت واطلقت شعارات ساخرة من السياسيين المحتكرين للسياسة والاقتصاد, وتصدرت هذه الأوصاف عناوين الصحف اليومية والاسبوعية الصادرة في دمشق وحلب, كما تناقلتها الأحزاب السياسية والجماهير الشعبية في سوريا، وبقيت تلك الشعارات والهتافات التي اطلقتها المرأة الكردية في الذاكرة الوطنية ودليلا على ريادية المرأة للحراك الشعبي.

وصولا إلى انتفاضة قامشلو الشعبية والمشاركة في ثورات ربيع الشعوب

 خلق مشروع الحزام العربي الذي نفذ في حزيران عام 1974 الحقد وثورةً كانت تقابلها ايادي النار والحديد في نفوس الكرد السوررين وبالأخص المناطق التي عانت من تداعيات هذا المشروع الابادي, وجاءت ردة الفعل على إثارة النظام للنعرات القوموية لضرب المكونات في انتفاضة قامشلو في عام 2004, وذلك على أرض الملعب البلدي في مدينة قامشلو، والتي تحولت إلى ساحة معركة وغدت شرارة لاشتعال انتفاضة شعبية. الحدث البارز الذي طغى على هذه الانتفاضة؛ كان الطابع النسوي، وتجلى هذا من خلال تصدر مئات الشابات في الصفوف الأمامية للمظاهرات والمسيرات المستنكرة للأساليب الوحشية في قتل الأبرياء من أبناء الشعب الكردي, وكانت الطاقة الديناميكية الكامنة في هذه الانتفاضة فمنهن من أخذت مكانها في المظاهرات، ومنهن من حولت منزلها الى جبهة خلفية لتلبية احتياجات المنتفضين من مأكل، مشرب ومداواة للجرحى…

تجارب الماضي مشروعاً متجدداً… للنساء الدور الأبرز في ثورات ربيع الشعوب

أثبتت الدولة القومية بأنها لم تعد تستطيع تلبية مطالب الشعوب الديمقراطية والمجتمعات الحرة, وانطلاقاً من وعي المرأة بمهامها التاريخية فقد شاركت المرأة بالفعاليات والتظاهرات وكانت تعتبر منبعا للروح الوطنية، وفي سوريا وعلى خلفية الظروف الموضوعية التي ظهرت في باكورة الثورة التي أُعلنت بصوت الشهيدة شيلان كوباني في 18 تموز 2012 , برزت المرأة الكردية السورية بكامل قوتها, واستناداً على خلفية تاريخية من النضال والمقاومة للشعب الكردي عبر تاريخ مقاومته العريق, وذلك عبر تطوير نفسها تنظيميا وعلى الصعيد الشخصي, بانضمامها الفعلي لحروب الدفاع وتسطير التاريخ بأحرف من ذهب لتكمل مسيرة رندى خان, بسى, زريفة, ليلى قاسم, ساكينة, بيريتان والكثيرات اللواتي نلن اعلى درجات الشهادة بشجاعة نادرة, واستكمالاً لنهجهن في الحرية كان تحرير مدن روجآفا من أهم القرارات ضمن استراتيجية الثورة, وذلك ببناء إدارة شعبية تدير نفسها بنفسها, خلافا لما حدث في المناطق والمدن السورية الأخرى التي انفردت فيها سلطة الفصائل المسلحة0

ظهور المرأة المدافعة بحلة المشروعية ونبذ العسكرتارية

 كان أكثر ما يميز هذه وحدات حماية المرأة التي تشكلت أوائل الثورة واعلنت نفسها رسميا كقوة نسوية في نيسان 2013 هو البعد الشامل الذي تبنته لانضمام المرأة لحروب الدفاع, واصبح واجب الدفاع والحماية من أبرز الميادين التي شاركت فيها واتقنت دورها رغم وجود الكثير من التحديات, كونها التجربة الأولى لبناء منظومة دفاعية في روجافا من جهة, ومن جهة اخرى كونها التجربة الأولى لمشاركة النساء في حمل السلاح ضمن مجموعات من الرجال, وأخذ أماكنهن في خنادق الدفاع دون الاستناد على خبرة سابقة, ناهيك عن وجود منظومة دفاعية خاصة بها وقيادتها وتوجيهها ضمن استراتيجية تطوير التكتيكات والخطط العسكرية, وهذا احتاج إلى قدرات في الكم والنوع لتوطيد دعائم منظومتها, كما ساهمت مشاركة المرأة في المهمات الدفاعية وانخراطها بشكل غير معهود في العمل العسكري بتسليط الضوء ولفت الأنظار عالمياً على المقاومة التي أبدتها كل من وحدات حماية المرأة لتصبح مقاتلات وحدات حماية المرأة رمزاً للشجاعة والبطولة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وبشكل خاص ما لاقته معركة كوباني من اهتمام دولي وكونها شكلت نقطة تحوّل رئيسية في السير الدبلوماسي بريادة المرأة الكردية, كما تصدّرت منجزاتها نشرات الأخبار والعناوين الرئيسية للصحف وكانت محوراً للتغطية الإعلامية حتى آخر نصر حقّقته عبر مشاركتها الفعالة في هزيمة التنظيم الظلامي . . جاء انضمام الشابات بأعداد كبيرة إلى صفوف الثورة نتيجة التوحد مع التراب والانتماء, فكما تحمي الأرض والشجر, اعتنقت مسؤولية تحرير وحماية الوطن من أي اعتداء يشوه كيانه.

المرأة في روج آفا ..ايقونة السعي للمساواة الشاملة

انطلاقاً من تجربة الرئاسة المشتركة المطبقة في كافة هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية في روجافا والتي هي مثال المساواة وتطبيقها عملياً, هذا كله نتاج ثورة المرأة التي تعتبر اساسا لتخليص المجتمع من حالة الركود التي طالته لزمن طويل نتيجة قمع الانظمة وامتصاصها لهذه الطاقات بشتى الوسائل. كما تم بغرض تخليص مجتمعنا الشرقيّ الصبغة من الجمود الفكري وتفجير طاقاته انشاء مُنظمات ومؤسسات نسائية خاصّة مثل” مؤتمر ستار- هيئة المرأة- بيوت المرأة…”، حيث تتبنى هذه القطاعات تفعيل وتنظيم طاقات النساء للقيام بدورهن الريادي في المجتمع وأخذت على عاتقها أيضاً العمل على زيادة الوعي عبر الثقافة الديمقراطية.

وأخيراً نستطيع استنباط مدى الارتباط الوثيق بين حاضر وماضي المرأة الكردية في سوريا ومدى تأثرها بحركات المرأة الكردستانية والنسوية بشكل عام, هذه السلسلة التاريخية من الأحداث شكلت تاريخا مشرفا لكافة النساء المتطلعات للعيش بحرية في أوطان حرة وديمقراطية.

المصدر : مجلة YPJ STAR

شاهد أيضاً

الحرية ومفهومها العملياتي

هذا المصطلح الذي يعد مطلباً وحقاً كونياً –غريزياً, اذ يولد الإنسان حرا لينضج في مجتمعات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *