اسمى قيم الفدائية…الخلود

تمهيد

الخلود كلمة متفرعة بقدر قدسيتها فلكل الشعوب هدف تخليد تاريخها, معالمها, لغتها وثقافتها, لذا لجأت منذ نشأتها للخلود ولكن لكل مفهومه وطريقته, البعض نجح والبعض الآخر اخذها على شكل يتجسد بتخليد الأفراد ومحاولة نيل الخلود المادي على مستوى حياته كما في مثال جلجامش والفراعنة واقتصر ذلك التخليد على فئة دون غيرها وكانت الأغراض منها حفظ الحياة, جاء مفهوم وحدات حماية المرأة والمرأة الكردية في كردستان عامة للخلود من المفاهيم التي قلبت الموازين فالتضحية بالحياة في سبيل الخلود, ذلك المفهوم المتفرد بذاته والمتجدد بكل نواحيه في تخليد المقاومة.

الشهادة في سبيل الحياة الحرة 

يعد مفهوم الفدائية والخلود من أكثر المواضيع إثارة حيث يستند على مبدأ الطوعية, نكران الذات, التضحية, حب الحياة ونبذ فلسفة الموت والابتعاد عن المبتغيات الفردية, بالإضافة إلى أخذ المصلحة العامة أساساً لها وذلك عبر السلوك الطوعي, أو الذات البشرية الطوعية والمبادرة بفعل ما بوسعها لحفظ السلم والأمن والاستمرارية. فان يفتدي الانسان بذاته في سبيل الوطن هو اعظم انواع التضحية وأسماها على الاطلاق, يرى عالم النفس ادلر (ان التضحية سلوك ينبع من اسلوب الحياة, حيث تبلغ الذات فيه اعلى مراتب الانسانية, لتكون ذاتا فعالة خلاقة لأن تتخطى عقبات الحياة وظروفها).   

الروح الفدائية ترتبط بكينونة المرأة

 منذ نشوء الخليقة يتعشعش هذا المفهوم في جيناتها, بطبيعتها الميالة للعاطفية ولتتخذ اسمى معانيها مع بدايات تشكل المجموعات البشرية ليمتد الى يومنا هذا, فجوهر الفدائية هو رفض المقاييس المفروضة وخلق الحياة من جديد, والفدائي شخص يرفض كل المقاييس السلبية التي تتحكم بحياته وتجعله شبيها بالآلة ومستنسخا, فكافة الاساطير والقصص كتبت عن الاشخاص الفدائيين لانهم خدموا الانسانية ووفروا حياة اكثر جمالية لشعوبهم ومجتمعاتهم, فبذلك تعتبر الفدائية موت لأجل الحياة المتجددة و دواء لأمراض الانسانية والمجتمع ويتصدر المجتمع الكردي قوائم الفدائية وهو مثال في الفدائية رغم كل المفارقات التي عاشها ورغم الصهر والابادة.

نكران الذات قيمة القيم

تاريخ البشر يتغذّى بدوره، مثله مثل تاريخ الآلهة على كثير من قصص التضحيات المتعددة الأشكال. كقصص الأمهات اللاتي تضحين من أجل أطفالهن, الجنود في سبيل الأوطان الحرة والشهداء دفاعا عن الأرض والعرض وغيرها من أشكال التضحية, حيث تروي الفنون والموسيقى والسينما والأدب والرسم قصص هذه التضحيات، وتجعل منها موضوعها الأساس، فتبدع في تمجيدها عساها تعيدنا إلى حقيقة أساسية ألا وهي حقيقة انَّ حضاراتنا لا توجد إلا بسبب تضحيات عظيمة. ولولا قيمة نكران الذات التي تمثلها هذه التضحيات، لكانت الشعوب بلا تاريخ يمجدّ ويخلَّد, هذه التضحيات تذكرنا أينما كنا، في الزمان والمكان، أننا لسنا أنانيين وتنم عن جوهر الانسان الحقيقي وأن التضحية هي الطريق الوحيد التي يمكن أن نسلكها لتحقيق كامل كينونتنا.

المبدأ هو استكمال المقاومة وحفظ حياة المجتمعات

ان كون المرأة في وحدات حماية المرأة, هي نفسها المرأة التي عانت الاضطهاد والقمع على يد المفاهيم الذكورية البحتة و كونها هي التي عاشت التجربة المريرة فهي فقط تستطيع تغيير نظرة المجتمع الدونية لها وانقاذ المرأة من مستنقعات الجهل والتبعية, فهي تعرف حق المعرفة ان المرأة كانت هي الفدائية والحامية اول نشأتها وهنا لا بد ان نكون منفتحين وبعيدين عن التشدد ولا ننكر دور الرجل في الحماية والفدائية ولكن ننتقد تهميش وجود المرأة جنبا الى جنب مع الرجل في مسيرتهما التاريخية وكما ننتقد الاختفاء القسري لها بفعل المجتمعات الابوية التي لم ترحمها ونحاول ان نسلط الضوء على طبيعتها الفدائية.

فالمرأة في وحدات حماية المرأة مستعدة للموت والفداء بنفسها وذاتها في سبيل الحياة الحرة لمجتمعها وللإنسانية, فقد خلقت قيما وافكارا تحولت الى قضية لتستشهد مئات النساء في الوحدات من اجلها وتصبح رمزا لخلود الآلهة الأم. فجاءت الفدائية ظاهرة لنشر القيم الجمالية في المجتمع وربما كانت السبب والداعم الاساسي لما وصلت اليه الانسانية لوضعها الحالي فقضية الديمقراطية والحياة الحرة من أهم القيم الانسانية وللفدائيين الدور الريادي لما وصلت اليه الانسانية من تطور.

إنَّ حركة المرأة الكردية المدافعة جارت كافة حركات التحرر العالمية بالطابع الفدائي الديالكتيكي, وبقدر ما تحب الحياة بقدر ما ترفض العيش ضمن انكار عالمي لهوية الكرد وهوية المرأة, فهي تفدي قضيتها بنفسها كضرورة حتمية فرضها التاريخ والجغرافية, والفوضى الناتجة عن الدول المتصارعة في الشرق الاوسط وتعمل على تحقيق قيم الجمال والحرية وايصال الوعي السياسي الى الذروة فمقولة ليلى قاسم غدا سأصبح عروس كردستان ومقولة الرفيق خيري وهو محكوم بالإعدام (اكتبوا على شاهدة قبري اني مدين لكردستان) لا تنم الا عن وعي بالتاريخ والانسانية .

نستطيع القول بأنَّ الطبيعة الفدائية تتوفر دائمًا من أجل الخلود، ويفرزها جسد المجتمع بشكل طبيعي عبر تراث المقاومة الطويل. وأخيرًا يمكن القول إضافة إلى هؤلاء الشهداء الأبطال، إن الفدائيين هم جيوب المقاومة, تلك الفئة التي لم تيأس، ولم تنحرف، ولم تنهزم من الداخل، وواصلت مسيرة المقاومة رغم الصعوبات، لتحافظ على الحالة النضالية حية و لتُأصِّل جذور النضال للأجيال القادمة, وإن قوة ومخزون المقاومة الكامنة لدى وحدات حماية المرأة لا تفنى ولا تنضب، بل تتحول وتتجدد من شكل إلى آخر، ودومًا يأتي الوقت لتتفجر وتتجدد وتستعيد دورها إما عبر الكفاح المسلح، أو العمليات الاستشهادية، أو ثورة الأسرى والإضراب عن الطعام، وصولاً إلى المبادرات الفردية الفدائية.

المصدر : مجلة YPJ STAR

شاهد أيضاً

الحرية ومفهومها العملياتي

هذا المصطلح الذي يعد مطلباً وحقاً كونياً –غريزياً, اذ يولد الإنسان حرا لينضج في مجتمعات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *