منظومة عسكرية متكاملة أثبتت نفسها بجدارة في حماية مكتسبات شمال سوريا

 
في أي مجتمعٍ ما وللحفاظ على بقاءه لابد له من أن يُؤسس منظومته الدفاعية المتكاملة، لردع الهجمات المحتملة على مكتسبات ذاك المجتمع وحمايتها من المخاطر، وكانت أبرز انتصارات ثورة 19 تموز هي بناء مؤسسة عسكرية للدفاع المشروع وحماية مكتسبات الشعوب في الشمال السوري.
 
باندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011 والتي كان يهدف من خلالها الشعب السوري لنيل حريته وكرامته، اللتانِ كانتا مسلوبتانٍ من قبل النظام البعثي، الذي يتبع الذهنية الأُحادية السلطوية في إدارة الدولة، والتي طغى عليها الطابع الأمني والاستخباراتي والعسكري. انتفض الشعب الكردي الذي عانى الأمرين من سياسات وممارسات حزب البعث الحاكم التعسفية والإقصائية بحقه أيضاً، وبشكل خاص بعد انتفاضة 12 آذار 2004. ولكنه لم ينتهج خط النظام الأحادي الجانب ولا خط المعارضة التي تحولت في بعد إلى أداة بيد دول استعمارية وعلى رأسهم تركيا، بل انتهج خطاً مغايراً لكلا الطرفين وهو خط الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب.
 
وحدات الحماية الذاتية YXK
 
بعد أن تمكن أبناء الشعب الكردي في روج آفا بالتعاون مع مكونات المنطقة من تحرير بعض مدن وقرى وخطوط حدودية ضمن جغرافية روج آفا من هيمنة سلطات النظام البعثي، دعت الحاجة لتشكيل منظومة دفاعية تساهم في حماية المكتسبات التي حققها أبناء روج آفا، ففي بادئ الأمر شكل شبان وشابات روج آفا قوات الحماية الذاتية YXK منتصف عام 2011، لحماية قرى ومناطق روج آفا من العمليات التخريبية وحماية التظاهرات التي كانت تقام في مناطق روج آفا، كما قامت تلك القوات بتأمين الحماية والأمن والاستقرار في مدن وقرى والمناطق التي تمت تحريرها من قبضة النظام. وفي أواخر عام 2011 دعت الحاجة لتطوير تلك القوى وتم الإعلان عن تشكيل وحدات حماية الشعب خلال مؤتمر عٌقد في مدينة ديرك بحضور 850 مندوباً من كافة شرائح واطياف وأطياف ومكونات روج آفا ووجهاء وشيوخ عشائر المنطقة.
 
وبادرت الوحدات لتشكيل هيكليتها المتكاملة وتنظيم نفسها في مناطق روج آفا، وفي 19 تموز أعلن أبناء منطقة كوباني ووحداتها عن تحرير أول مدينة كردية من سيطرة النظام البعثي واستلام الشعب مقاليد الإدارة في المدينة، وتتالت عمليات التحرير حتى تمكنت الوحدات بالتنسيق المباشر مع أبناء المنطقة من تحرير معظم جغرافية روج آفا من هيمنة النظام البعثي.
 
رويداً رويداً توسعت دائرة تطوير الوحدات، وبعد ثورة 19 تموز تمكنت الوحدات من الانتشار وبشكل شبه كامل ضمن جغرافية روج آفا (مقاطعة كوباني والجزيرة وعفرين)، وتصدت الوحدات لكافة الهجمات التي شنت على مكتسبات أبناء روج آفا، والتي كانت أولها على منطقة سري كانيه أواخر عام 2012 من قبل جبهة النصرة وبعض الفصائل المرتزقة بالتعاون من الدولة التركية التي فتحت حدودها لشن هجمات على مكتسبات الشعب، كما تصدت الوحدات منتصف شهر جزيران 2013 للهجمات التي شنتها مرتزقة النصرة وداعش على المناطق الجنوبية لجل آغا وكركي لكي. وتمكنت من خلالها من تحرير كافة المناطق الجنوبية لنواحي جل آغا وكركي لكي وتربه سبيه وصولاً إلى ناحية تل كوجر.
 
وفي خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى سوريا والشرق الأوسط تم الإعلان عن تأسيس أول جيش للمرأة في 4 نيسان 2012 باسم وحدات حماية المرأة. وضمت الالاف الآلاف من المقاتلات تتراوح اعمارهن أعمارهن بين 18 و45 سنة، وهن متطوعات يقاتلن بدون أجر.
 
كما تصدت وحدات حماية الشعب والمرأة لهجمات مرتزقة داعش على مقاطعة كوباني منتصف عام 2014، وكانت تعتبر تلك الهجمات الأعنف على مستوى سوريا والمنطقة، وتمكنت الوحدات من صد تلك الهجمات وقصمت الوحدات من خلالها ظهر مرتزقة داعش الذين لم يتصدى تتصدى لهم أي قوة محلية أو دولية أو عالمية في تلك الآونة.
 
منظومة عسكرية أثبتت نفسها بجدارة
 
ساهمت المنظومة العسكرية التي أسسها أبناء روج آفا في الحفاظ على البنى التحتية والعيش المشترك في كافة مدن وبلدات وقرى ومناطق روج آفا والشمال السوري، على غرار باقي المدن السورية التي تدمرت بشكل شبه كامل كحلب وحمص وإدلب وريف دمشق ودرعا والباب. وحافظت على قيم ومبادئ حقوق الإنسان وفق المعاهدات الدولية في مناطق تواجدها، ولم تتفكك كما كان حال باقي الفصائل ضمن سوريا، التي ادعت التحرر وتفككت وتلاشت نتيجة تبعتها لأجندات خارجية وعلى راسها رأسها الدولة التركية.
 
وانتشرت مراكز التدريب للوحدات في كل مدينة ومنطقة ضمن جغرافية روج آفا، مراكز تدرب ضمنها المقاتلين والمقاتلات على استعمال مختلف أنواع الأسلحة وإعدادهم بدنياً ونفسياً للتعامل مع مختلف الظروف والأوضاع الحياتية.
 
ترسيخ المنظومة العسكرية
 
ساهمت الوحدات في تحرير معظم جغرافية روج آفا ونشر الأمان والاستقرار في المنطقة، وكانت الحجر الأساس لتأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي أعلن عنها قرابة 13 فصيل ومجموعة وقوى معتدلة في 15 تشرين الأول 2015، والتي عمادها الأساسي وحدات حماية الشعب والمرأة. أصبحت أملاً للشعب السوري، كما أنها عرفت في جميع أرجاء العالم، نظراً لسيرها على مبادئ وقيم الأمة الديمقراطية وابتعادها عن الأفكار الضيقة والعنصرية والقوموية.
 
ونظراً للمبادئ والقيم والأخلاق التي تحلى بها مقاتلي مقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة، فقد كانت أبرز انجازاتها الإنسانية والتاريخية في العالم ، بشهادة الجميع، هي انقاذ المجتمع الإيزيدي في شنكال من ابادة إبادة جماعية فظيعة لم ترتكب مثلها في التاريخ، بعد فتحها ممراً بين روجافا وشنكال على الحدود العراقية، وانقاذها وإنقاذها أكثر من 400 ألف مدني.
 
كما استنجد أبناء كافة المناطق مناطق الشمال السوري التي كانت تحت سيطرة مرتزقة داعش بقوات سوريا الديمقراطية، بدءاً من الحملة الأولى التي أطلقتها القوات في 15 تشرين الأول لتحرير ريف حسكة الجنوبي، وتحديداً في منطقة الهول تلبيةً لنداءات أهالي المنطقة، وحررت القوات خلال الحملة بلدة الهول و196 قرية ومزرعة تقدر مساحتها 14000م2.
 
أما الحملة الثانية فكانت في منطقة تشرين الواقعة جنوبي كوباني التي أطلقت في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2015 والتي استمرت لعدّة أيام، وتم تحرير المناطق الواقعة بين بلدة صرين وسد تشرين والتي تقدر المسافة بينهما 60 كلم. والثالثة أطلقتها القوات في 28 شباط 2016 باسم حملة الانتقام لإيلين وجودي، بعد هجمات مرتزقة داعش على المنطقة وقرى كري سبي بدعم تركي عبر فتح حدودها أمام المرتزقة، وشملت الحملة المنطقة الممتدة من جبل كزوان (عبدالعزيز) حتى شمال الرقة، وخلال الحملة تم تنظيف المنطقة الواقعة بين جنوب غرب الحسكة والريف الشمالي الشرقي لمدينة الرقة، إضافة لتشكيل حزام دفاعي حول مقاطعة الجزيرة ومنطقة كري سبي.
 
تحقيق المنظومة العسكرية صداً واسعاً خلال فترة زمنية قصيرة
 
وكان لحملات قوات سوريا الديمقراطية صدىً واسعاً في الداخل السوري والعالم، ففي فترة زمنية قصيرة، ونظراً للأخلاق والقيم التي تحلت بها القوات دفعت عدّة فصائل عسكرية للانضمام إلى كنفها، حيث انضمت قرابة 20 قوة عسكرية أخرى للقوات من مناطق الشهباء والباب ومنبج.
 
وتحالفت القوات مع الولايات المتحدة الامريكية الأمريكية ضد مرتزقة داعش في سوريا، وبموجب ذلك التحالف أطلقت القوات أكبر حملة لها منذ الإعلان وهي البدء بحملة موسعة باسم “حملة تحرير منبج”، بناء على مناشدات وجهاء وأهالي مدينة منبج، داعياً شباب وشابات منبج الأحرار للانضمام إلى صفوف قواتها العسكرية، وتمكنت القوات من تحرير المدينة في 12 أب آب 2016 من بطش داعش ونشرت الأمن والاستقرار في معظم مناطق منبج، وسلمتها لإدارتها المدنية المتشكلة من قبل أبناءها، وفي 5 تشرين الثاني 2016 أطلقت القوات أكبر حملة على مستوى سوريا والمنطقة وهي حملة غضب الفرات لتحرير الرقة من مرتزقة داعش.
 
وبعد أن تكلل تكاتف شعوب المنطقة حول قوات سوريا الديمقراطية بالنصر، لا سيما في منطقة الرقة وريفها وأحرزت القوات انتصاراً تاريخياً بتنظيف كامل الريف من رجس الإرهاب وحصار المرتزقة في مسافة ضيقة من المدينة لا تتجاوز الـ30% من كامل المدينة، أعلن مجلس دير الزور العسكري في الـ 9 من شهر ايلول لعام 2017 عن بدء حملة ” عاصفة الجزيرة” لتحرير ما تبقى من أراضي الجزيرة السورية وشرق الفرات، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد في قرية أبو فأس التابعة لناحية الشدادي جنوب الحسكة. وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية أي إطلاق حملتين في نفس ذات الوقت
 
واصلت قوات سوريا تقدمها في الرقة وفي 17 تشرين الأول 2017 تمكنت القوات من تحرير كامل مدينة رقة من مرتزقة داعش، عبر العمليات العسكرية الخاصة والهجمات المباشرة، بعد إحكام حصار المدينة وفتح ممرات آمنة للمدنيين.
 
عرقلة النظام لحملة قوات سوريا الديمقراطية
 
أما حملة عاصفة الجزيرة فما تزال مستمرة رغم محاولة قوات النظام البعثي عرقلة تقدم الحملة، ففي 16 أيلول/سبتمبر وبعد تحقيق انتصارات كبيرة على مرتزقة داعش، تعرضت قوات سوريا الديمقراطية لهجوم من قبل طائرات النظام السوري قرب المنطقة الصناعية شرقي نهر الفرات. وأسفر القصف الجوي على مواقع قوات سوريا الديمقراطية عن وقوع 6 جرحى من مقاتلي قسد.
 
وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية من الوصول إلى الحدود العراقية في مناطق دير الزور ومحاصرة المرتزقة في جيوب حدودية صغيرة.
 
نلاحظ هنا بأن هذه القوات حافظت على القيم الإنسانية في الدرجة الأولى، وأصبحت النواة لكافة القوات المعتدلة والمؤمنة بالفكر الديمقراطي والتعايش المشترك، وأصبحت محل ثقة كافة مكونات المنطقة والقوى العالمية أيضاً.
 
ألا أن انتصارات قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة لم ترق للقوى الرأسمالية والقوموية وعلى رأسهم الدولة التركية التي تعادي تطلعات الشعوب الديمقراطية وعلى رأسها الشعب الكردي، لذلك وبحجج وهمية وادعاءات لا أساس لها، لذلك شن جيش الاحتلال التركي هجوماً عدوانياً بالتعاون مع بعض الفصائل المرتزقة التي باعت حلب ومضايا والغوطة الشرقية ومحيط دمشق للنظام السوري بأمر من الاحتلال التركي على عفرين.
 
واستخدم جيش الاحتلال التركي كافة أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة، والطائرات الحربية الحديثة F16 خلال الهجوم العدواني، وتصدت وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية للهجوم، واعتبرت مقاومة الوحدات والقوات من أبسل المقاومات في العصر الحديث، حيث صمد المقاتلين المقاتلون والمقاتلات بسلاحهم الخفيف والمتوسط امام أمام ثاني أكبر جيش في حلف الناتو لأكثر من 58 يوماً، وسط صمت دولي واقليمي وإقليمي وعالمي ممنهج.
 
وحفاظاً على سلامة المدنيين بعد ارتكاب جيش الاحتلال التركي أكثر من 7 مجازر بحق مدنيي عفرين والتي راح ضحيتها اكثر أكثر من 370 مدني معظمهم نساء وأطفال، بادرت الوحدات لتغيير سير عملية الصمود وإخرج أبناء عفرين من المدينة التي كانت تستهدف الصواريخ والطائرات بشكل عشوائي، وأعلنت الوحدات البدء بالمرحلة الثانية ألا وهي العمليات العسكرية على شكل مجموعات صغيرة وما تزال المقاومة مستمرة حتى الأن.
 
 
المصدر وكالة أنباء هاوار

شاهد أيضاً

ارتقاءُ كوكَبةٍ من مقاتلينا شُهداءَ في هَجَماتٍ مختلفة بدير الزور والحسكة

ارتقى عدد من مقاتلينا شهداء، في استهدافات مختلفة من قبل أطراف معادية تعمل على نشر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *