4 نيسان يوم ولادة الشمس

في أوائل 2011, عاش المجتمع السوري بشكل عام و المرأة بشكل خاص مرحلة عصيبة ,فقد اصبحت  الحماية همهم الشاغل وبشكل خاص أن لا يقعوا بيد التنظيمات الإرهابية واصبح الدفاع عن النفس والبدن من أولوياته ناهيك عن حماية التاريخ واللغة…

تأثرت مناطقنا ذات الغالبية الكردية بثورات ربيع الشعوب, وقد كان شعبنا من السباقين للانتفاض, ويعزى ذلك لحكم واقعنا وتجاربنا ككرد والظروف التي مرت على شعبنا؛ فقد عاش شعبنا الكردي انتفاضات كثيرة ودائما ما كان يقابلها التعرض للقمع والقتل الجماعي والإبادة والتهجير القسري, ناهيك عن التغيير الديموغرافي الذي طال المناطق الكردية على مر التاريخ وحتى يومنا الراهن, لذا ارتأينا أنه من الوجب وبحكم الضرورة المرحلية انشاء آلية حماية كهدف أساسي منذ بداية الثورة.

في بداية تشكل منظومتنا الدفاعية لم تكن في خططها وحسبانها أنّها ستحارب الإرهاب أو الفصائل المتطرفة، فقط إنما جاء تشكيلها بهدف درء الخطر، وكانت أيضاً الدرع الحامي للمنطقة من هجمات النظام وأساليبه الوحشية في قمع الثورة، ومع ظهور الفصائل الاسلاموية في بدايات 2012 وهجماتها على المناطق الحدودية ودخولها الى سري كانييه وبعدها ظهور داعش تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي, كنا وجهاً لوجه مع هذه الفصائل المتطرفة.

مع انطلاقة ثورة روج آفا بدأت المرأة بالمشاركة الفعالة في كل مناحي النضال والحياة الاجتماعية، السياسية، الدبلوماسية وحتى العسكرية ومهام الدفاع الذاتي. وتعتبر وحدات حماية المرأة التي ظهرت مع تطور ثورة روج آفا المؤسسة العسكرية الخاصة بالمرأة والتي استطاعت تنظيم نفسها كقوة مستقلة في جميع مقاطعات روج آفا.

في بداية الأزمة السورية بدأت بعض القوى التي لم يرق لها هذا الوضع بشن هجمات عسكرية على مختلف مناطق روج آفا. مما اضطر أبناء الشعب الكردي في روج آفا إلى تشكيل قوة عسكرية باسم وحدات حماية الشعب, حيث كان للمرأة الكردية دور فعال في هذه القوات, ولأن ثورة روج آفا تطورت بقيادة المرأة فقد دعت الحاجة إلى تطوير قوة عسكرية خاصة بالمرأة في روج آفا، لذلك تم في 2 -4نيسان/أبريل عام 2013 تأسيس وحدات حماية المرأة وعقدت كونفرانسها الأول في مدينة ديرك ووفقاً لمقررات الكونفرانس فقد تم تأسيس كتائب تابعة لوحدات حماية المرأة في جميع مدن مقاطعات روج آفا, وسميت جميع الوحدات بأسماء المقاتلات اللواتي استشهدن في الاشتباكات مع المجموعات المرتزقة.

بهدف تحقيق مزيد من التأهيل والوصول إلى شخصية المرأة والحماية الجوهرية تأسست أكاديمية الشهيد شيلان للتدريب العسكري التابعة لوحدات حماية المرأة في مقاطعة الجزيرة. كما تم تأسيس 6 فروع للأكاديمية في مدن مقاطعات الجزيرة، كوباني وعفرين. وقد خرجت هذه الأكاديميات حتى الآن الآلاف من المقاتلات.

تم الإعلان عن وحدات حماية المرأة في الرابع من شهر نيسان وكانت هذه الخطوة الأولى والأكثر جرأة حيث تم فيها تأسيس وحدات نسائية في روج آفا والعديد من المدن السورية, وعلى إثرها تستند على نظام داخلي وتتبنى القرارات والمهام التاريخية, حيث ركزت على منحيين أساسيين, الأول: التنمية الفكرية في المجال السياسي, الثقافي والإجتماعي والتاريخي والمنحى الثاني: تنمية القدرات البدنية والدفاعية وكيفية ترسيخ نهج الدفاع المشروع في الحماية والدفاع.

في بداية الثورة نظمت نفسها على شكل مجموعات ضمن صفوف وحدات الدفاع الذاتي الشعبية YXG الذي طور نفسه في سباق مع الزمن ليشكل وحدات حماية الشعب YPG نظمت المرأة المدافعة نفسها ذاتياً ضمن صفوف وحدات حماية الشعب ,وسرعان ما ازدادت اعدادهن لتبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة تشكيل كتائب مستقلة في كانتون عفرين, الجزيرة و كوباني, بالتالي أدى إلى تأسيس كتائب خاصة بالمرأة فأول كتيبة تم تشكيلها هي كتيبة الشهيدة “روكن” في كانتون عفرين بقيادة الشهيدة “روكسان عفرين” بتاريخ 13 شباط 2013, ولزيادة الرغبة  في تكوين حلقة متكاملة تتعاضد وتتناصر فيما بينها كخلية النحل, والرغبة الحثيثة بكسر جماح القيود تعاقبت تشكيل الكتائب الخاصة بها, ومنها كتيبة “عدالت” التي تأسست بقامشلوبتاريخ9أذار2013, وبعد فترةٍ وجيزة تم تشكيل كتيبة الشهيدة دجلة في كانتون كوباني ب 24أذار2013, وكتيبة الشهيدة زوزان في ديريك وبرجم في درباسية بنفس الشهر, وكلها ثمرة النضال والانتصار الحقيقي من قبل المرأة حيث شاركت مع وحدات حماية الشعب بإخلاء المناطق من المجموعات الإرهابية المسلحة, وعلى الرغم من قلة العتاد والأسلحة حققت انتصارات قيمة في أحلك الظروف والأوضاع صعوبةً. وقد تميزت هذه الوحدات بتدفق النساء الكرديات وانضمامهنّ إليها و القيام بالواجب الوطني وحماية النساء من التشكيلات والفصائل الأخرى, ولم تكتف بهذا بل تحولت إلى منعطف إيجابي للسلم الأهلي وسط التنوع المجتمعي للمنطقة أيضاً.

لطالما اعتبرت الحروب ومهام الدفاع مهاماً مقتصرة على الرجال ولا مكان للنساء في ميادين الدفاع والحماية, التاريخ مليء بالقصص التي تدور حول دور النساء في أوروبا ولكنهن كن يقاتلن في ملابس الرجال, ربما ظهرت مشاركة النساء في الحرب العالمية الأولى بشكل لافت للنظر نسبة لوضعها السابق ولكن لم يتعدى دورهن الأدوار النمطية التقليدية؛ كالرعاية والعمل في مجال الاهتمام بالجرحى والعمل كممرضات, كما عملت البعض منهن في مصانع الأسلحة, أي بشكل عام كانت أدواراً تقليدية لهن ضمن المنظومة العسكرية الذكورية.

أما البعد الشفاف لمفهوم الدفاع الذي تبنته وحداتنا فيختلف عن مفهوم جيوش الدولة, فعلى خلفية الظروف الموضوعية التي ظهرت في سوريا ابان الثورة, وبحكم الواقع المعاش ظهرت المرأة الكردية بكامل قوتها وجسارتها متحدية الواقع المأساوي الذي عاشته, واستناداً على خلفية تاريخية من النضال والمقاومة والعصيانات, وبالإضافة إلى حركات التمرد التي قام بها الشعب الكردي عبر تاريخ مقاومته العريق, ربما لم تصل تلك الحركات لمبتغاها المطلوب لكن كلها صبت في مجال الخبرة والإستفادة من التجارب الماضية, هرعت المرأة الكردية لتطوير نفسها تنظيميا وعلى الصعيد الشخصي, فشخصيتها اليوم تتجلى قوتها في انضمامها الفعلي لحروب الدفاع وتسطير التاريخ بأحرف من ذهب لتكمل مسيرة رندى خان, بسى, زريفة, ليلى قاسم, ساكينة, بيريتان والكثيرات اللواتي نلن أعلى درجات الشهادة بشجاعة نادرة.

يعد الدفاع المشروع حقاً طبيعياً, وأحد ركائز الديمقراطية المعاصرة للمجتمعات المتطورة, ففي حال تعرضها لأي اعتداء سواء أكان خارجيا او داخليا,  يأتي الدفاع المشروع كوسيلة شرعية؛ لحماية قيمها وكينونتها المجتمعية. ويمكن اعتبار المقاومة المسلحة جزءا لا يتجزأ من حقوق الدفاع المشروع, شرط أن لا تتناقض مع مبادئ وحقوق الدفاع المقدس في مجال الدفاع والحماية. وهذا ما نصت عليه المعاهدات والمواثيق التي أبرمت بغاية حماية حقوق الإنسان, والتي تقتضي شرعنة الدفاع المشروع في حال تعرض حقوق الشعوب للانتهاكات من قبل الأنظمة الهادفة لترسيخ السلطة و الاحتكار, فمعاهدة لاهاي في عام 1907, واتفاقيات جنيف في عام 1949, والبيان الصادر من المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي انعقد في طهران عام 1968 , والذي نص على (عدم وجود أية امكانية لتجزئة حقوق الإنسان والحريات الأساسية ), كل الاتفاقيات التي سبقت كانت داعمة لمشروعية الدفاع المشروع, لدى انغلاق كافة سبل المفاوضات في منع الاعتداءات والانتهاكات التي تهدد كيان المجتمعات ووجودها, في حالات الحرب يكون الوقع الأشد وطأة على عاتق المرأة, فعند التمعن في تاريخ الحروب, كانت ويلاتها على المرأة فهي الغنيمة والضحية والأسيرة. ونرى في العديد من الأمثلة التي تؤكد تعرض مئات الألاف من النساء للعنف الجنسي والاغتصاب الجماعي كما حصل في شنكال ومناطقنا التي دخلها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي والآن نجد الدولة التركية تكمل مسيرة ونهج داعش في عفرين والمناطق المحتلة إذ تجبر الأهالي على الدخول في الاسلام بحكم السيف , كما اجبرت الكرد الايزيديين في عفرين الكردية على اعتناق الاسلام وقامت ولا زالت تقوم بقتلهم بذرائع دينوية وقوموية.

التحديات التي واجهتها العضوة عند انضمامها للوحدات, والتي تراوحت بين التحديات الذهنية والمجتمعية, فقد كان المجتمع الحالي البائس والفاقد لحيويته يعيش في القواقع الدينية والعشائرية والقبلية والدولتية, وبين قيود الحقوق والقوانين التي رسختها الدولة المركزية, حيث رسمت لها طرق تحركها وفقا لخارطتها واستراتيجيتها في الأطر التقليدية, وهذا ما حتم على الوحدات تطوير منهجية تخصصية في الأكاديميات الفكرية والعسكرية, الأمر الذي سيؤثر إيجاباً في عملية التغيير في مستواها الذهني والثقافي وتحليل وتقييم الحقائق والوقائع التي تخص ماهية كينونتها وذاتيتها وكيفية الاعتماد على قوتها الجوهرية وترسيخ روح الوطنية, واستناداً على التجربة المتواضعة للتدريبات السابقة رغم زخم التحديات التي واجهتها نستنبط أنّ إرادتها كانت أقوى من العوائق والتحديات التي اعترضت مسيرتها وطريقها التواق للحرية, وذلك بعد ادراكها لما قد سلب منها, مما زاد نفورها وعدم تقبلها لأي قيود تحت مسميات مشرعنة, تلك الجبال المتراكمة من الممنوع والمجهول. كما واجهت وحدات حماية الشعب والمرأة صعوبات وتحديات جمة, فأمام كل هذه الهجمات المنظمة كانت الإمكانيات محدودة, من ناحية عدد القوات والعتاد, بالتأكيد كانت الوحدات كما أسلفنا سابقاً قد امتلكت خبرة عملية وتجارب ميدانية من خلال تصديها للفصائل الاسلاموية ولكن لم يكن تشكيل هذه الوحدات كجيش معد ومنظم لمحاربة الدول فنهجه في التجييش شعبي مرتكز إلى الدفاع المشروع.

انضمام العنصر النسوي في تشكيل هذه المنظومة كان العامل الذي شكل النقطة الأكثر اختلافاً وجاذبية لانضمام الشباب، فقد كانوا يتأثرون بشخصية المرأة القوية ضمن الوحدات ويرجع ذلك الى انّ المرأة قد رسمت نموذجاً لشخصيةٍ جديدة لا تمت لسابقتها المستسلمة والخاضعة بأية صلة, بل مكافحة ومتمردة ضدّ كل ما يفرض عليها الخنوع, فالذي احدثته المرأة الكردية بشكل عملياتي كان زعزعةً لبنيان الذهنية الذكورية وتبعياتها وهذا بحد ذاته كان تغييراً بنيوياً.

المقاومة التي ابداها الشعب الكردي كانت تتميز بمشاركة المرأة بشكل فعال جدا, للمرأة الكردية تاريخ طويل من قيادة الثورات والانتفاضات ولكن في كوباني كانت ثمرة كدحهن , فقد عرف العالم كله وسمع ببطولاتها ضد أعتى تنظيم إرهابي وبأسلحة بسيطة في وجه أحدث تكنولوجيا الحرب وأخطرها, وكان التدخل من قبل حلف الناتو كونه كان خطرا امميا يهدد العالم, ومن الضروري التدخل, فتدخل الناتو بشكل جوي ووحداتنا على الأرض , وتم الحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي في كوباني بتاريخ 26/1/2015.

خلقت هزيمة داعش على يد وحداتنا روحا وطنية كردية, فبالتأكيد معركة كوباني وغيرها من المعارك ضد تنظيم داعش بالنسبة لنا كانت بغرض الدفاع وكان سلاحنا المقاومة, وقد بذلنا الكثير من التضحيات حيث استشهد العديد من رفاقنا ورفيقاتنا من وحدات حماية الشعب والمرأة لروحهم السلام, وبالرغم من مواجهتنا لأحدث أسلحة الحرب, إلا أننا لم نتراجع قيد أنملة عن المقاومة, سطرت الملاحم في روجافا ففي سابقة فريدة من نوعها, ظهر أول جيش نسائي بقيادة نسوية وحاربن الإرهاب بكل بسالة, وخلدت رموز بطولية كآرين ميركان, وريفانا زنارين وغيرهن الكثيرات ممن استشهدن في ملاحم بطولية بعملياتهن الفدائية. بالطبع كانت هزيمة تنظيم داعش في كوباني نقطة انطلاقة وتأثير ليس فقط في روج آفا إنما في على مستوى سوريا, فتنظيم داعش الذي كان يسعى لإقامة امبراطورية الخوف والتي زعم بأنها ستكون ازلية ولن تهزم, هزم على يد قواتنا التي كسرت هذه الصورة المزعومة للتنظيم الارهابي, فقد جلب معه هذا النصر الساحق معنويات عالية لدى الشعب وأيضا لدى القوات التي تحارب الإرهاب.

كافة المناطق التي كانت محتلة من قبل داعش اصبحت تستنجد بقواتنا لتخليصهم من ممارسات داعش, وقد غدا كنف قواتنا الملاذ الآمن لكل من يحاول التخلص من داعش والهروب من مجازره, فقد اصبحت قواتنا جيشا معنويا, جيشنا الكردي الذي كسر داعش ودحره طبعا بمساندة قوات التحالف وقوات البيشمركة فتح المجال أمام انتشار فكر أخوة الشعوب, وخلقت الأرضية للتعايش المشترك بين شعوب المنطقة المختلفة والمتباينة في الدين والمعتقدات والقوميات, فكانت تأتينا نداءات استغاثة من المناطق العربية تطالبنا بالتدخل لتخليصهم من براثن الإرهاب والممارسات الشنيعة لتنظيم داعش, وعلى هذا الأساس قمنا بالذهاب لتحرير اخواننا من عرب وآشور وسريان وشركس, وبناءً على هذا النداء الذي يعكس مدى تقبلهم لهذه الوحدات لتمثلهم وتحميهم, ونحن بدورنا قطعنا وعداً على أنفسنا بأننا وبكل امكانياتنا وقدراتنا وقوتنا وكقوة شعبية سورية سوف نكون قوة حامية لهم ومدافعة عن تنوعهم وسنواصل نضالنا وتنوع الوحدات داخل قواتنا خير دليل بادٍ للعيان, ونؤمن كل الإيمان بأنه وكقوة سورية من كافة مكونات المنطقة بواجبنا الأخلاقي  في تحرير كافة المناطق الأخرى التي يتواجد فيها تنظيم الدولة الاسلامية.

كما جعلت معركة كوباني القضية الكردية متداولة في كافة المحافل الدولية, كون وحدات حماية الشعب والمرأة حاربوا الإرهاب كقوات كردية وكما أنَ كوباني مدينة كردية والمقاومة التي أبدتها الوحدات شهد لها العالم كون العالم أدرك أن الكرد ذوي روح أممية وحربهم ضدَ الإرهاب كانت بالنيابة عن العالم ولم يحصروها في بواتق قومية, كون تنظيم الدولة لا يهدد الكرد فقط ولا سوريا فقط بل يهدد الانسانية وقد انتشرت جرائمه بحق البشرية على كافة قنوات البث الإعلامي والسوشيال ميديا ورأى العالم فظاعة ما يهددهم اذا انتشر هذا التنظيم الوبائي.

وفي الرابع من نيسان الذكرى السنوية ليوم ولادة منظومتنا, وظهورها إلى العلن نتعهد بالسير على خطى شهدائنا وشهيداتنا ومواصلة النضال حتى تحرير كافة أراضينا المحتلة من براثن الاحتلال وحتى تحقيق النصر وتحرير المرأة والمجتمع.

شاهد أيضاً

التقرير الشهري لانتهاكات الدولة التركية _ أب

انتهاكات احتلال الدولة التركية لشهر اب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *